Linz-arab.com

الصفحه الرئسيه اضغط هنا

 

الشعراوي :هو مين اللي يتعدل!
بقلم د/ ناجح إبراهيم
جاء الرئيس اليوغسلافي الأسبق تيتو إلي مصر أيام السادات ، وطلب الراقصة نجوي فؤاد لترقص له ، وكان لها جمهورها من السياسيين مثل كيسنجر وكارتر وغيرهما .
وأقيمت حفلة علي شرف تيتو ورقصت نجوي وألزم السادات جميع الوزراء بالحضور وكان منهم الشيخ الشعراوي وزير الأوقاف حيث جلسوا جميعاً في الصف الأول قبالة الراقصة اللولبية مباشرة،فغض الشيخ بصره بغيظ وحنق وصمت، ولكن سخونة الرقصة جعلته يدير ظهره للمسرح،فما كان من السادات إلا أن أرسل له موظفاً من الرئاسة يقول له :"الرئيس يقول لك اتعدل" فتعجب الشعراوي وقال :"هو مين اللي يتعدل " والله سأمضي وخرج من القاعة .
هكذا كانت حياة الشيخ أثناء الوزارة فلم يكن مرتاحاً فيها ولا لها ، ولا الوزارة مهيئة لشخصيته الدعوية الزاهدة،وقد غمرت الوزارة البيروقراطية وإرضاء الجهات الحكومية العليا أكثر من اهتمامها بهداية الخلائق .
وفي يوم من الأيام طلبت السيدة جيهان السادات من الشعراوي أن يحاضر في سيدات الروتاري في شهر رمضان فوافق علي الفور ، فلما دخل المحاضرة في نهار رمضان فوجيء بصورة لم يتوقعها علي الإطلاق فقد وجد كثرة من السيدات مفطرات ومدخنات وملابسهن قصيرة جداً ،فنظر نظرة عتاب إلي جيهان السادات ثم غادر القاعة غاضباً دون أن يستأذن أحد، مما زاد في غضب قرينة الرئيس علي الشعراوي لأنه لم يقدرها قدرها أمام سيدات الروتاري و" لم يكبرها " أمامهن كما ينبغي .
أما هو فقال لأحد مريديه " تعرف يا واد يا فلان ، أنا الدم غلي في عروقي ولم أعرف أتكلم كلمة واحدة،وشعرت أنني اتقرطست ، فانصرفت دون أن أفكر في أي عواقب " .
وبعدما استقال الشعراوي من منصبه قال كلمة رائعة :"الحمد لله الذي أذاقنا لذة هذا المنصب حتي لا نشتاق إليه أبداً وتتفرغ قلوبنا وجوارحنا لمهمتنا الأساسية وهي الدعوة إلي الله " .
لم تسترح نفس الشعراوي ولم تهدأ نفسه المضطربة إلا بعد أن ترك المنصب ، فقد كانت نفسه ممزقة بين شوقه لخدمة الدعوة الإسلامية من خلال المنصب الرفيع وبين مقتضيات المنصب السياسية،ورغم أن الزمن الذي عاش فيه كان زمن توافق مع الدين في مجمله العام،إلا أن المناصب السياسية لها تبعاتها الجسام علي نفوس الصالحين والعابدين والزاهدين والشرفاء.
ولذلك كان العلماء والفقهاء العظام يرفضون المناصب السياسية،وبعضهم
رفض المناصب عامة،فهذا مالك يُضرب من أجل ذلك،وأبو حنيفة يسجن ويضرب لرفضه تولي القضاء،وبعضهم كان يعتبر أن العالم أو الفقيه الزاهد يذبح بسكين إذا تولي المنصب السياسي .
ولم تكن هذه توهمات أو خيالات من هؤلاء، بل إنه يذبح حقاً بسكين المنصب ، فكم ذبحت المناصب علماء وعباقرة وفقهاء وأدباء ومفكرين عظام وأردتهم صرعى .
لقد كانت رؤية الشعراوي للمناصب تختلف عن بعض أقرانه الذين يحسبون المنصب مغنماً لأنهم لا قيمة لهم دون المنصب ولا ذكر لهم إلا بالجاه والسلطان دون العلم والأخلاق والكرم والزهد.
أما الشعراوي فقد قال عنه كل من عرفه عن قرب "أن مجالس الملوك والرؤساء كانت كل الأعين تنصب علي الملك أو الرئيس حتي إذا دخل الشعراوي تحولت كل الأنظار إليه والتفتت إلي كلامه"،وليس ذلك لمجرد الفصاحة والبلاغة،فهناك من هو أبلغ منه وأفصح ، ولكن لشيء وقر في قلبه ونفسه،فلم يتفوق أبو بكر الصديق علي أقرانه بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه ألا وهو الإخلاص "، فما دعوت إذ دعوت ولكن الله هدي ، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي .
وفي آخر حياة السادات اشتبك مع معارضيه اشتباكاً خطيراً ومنهم "الشيخ المحلاوي" الذي تجاوز في نقده للسادات إلي نقد زوجته فألقاه في السجن مع آلاف المتحفظ عليهم وقال في خطابه :" أهو مرمي في الزنزانة زى الكلب " فغضب الشعراوي ونزل بنفسه وأملي تلغرافاً " اتق الله يا سيادة الرئيس فالأزهر يخرج علماء ورجال ولا يخرج كلاباً "، رحم الله الجميع وغفر لهم